فصل: سورة المدثر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التفسير القرآني للقرآن



.سورة المدثر:

نزولها: مكية.. نزلت بعد سورة المزمل.
عدد آياتها: ست وخمسون آية.
عدد كلماتها: مائتان وخمس وخمسون.. كلمة عدد حروفها: ألف حرف، وعشرة حروف.
مناسبتها لما قبلها كانت سورة المزمل دعوة لإيقاظ النبي، وتنبيهه إلى الحياة الجديدة التي سيبدأ رحلتها منذ اليوم الذي التقى فيه برسول الوحى في غار حراء مستفتحا رسالة السماء إليه بقوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} وقد أخذ النبيّ من هذا اللقاء ما أخذه، من قلق وجزع،. حتى لقد لزم يبته، وأرخى ستارا بينه وبين الحياة، لا يدرى ماذا ينتظره في غده! وجاء الوحى الذي لقيه في الغار، ليشرح له الموقف، وليبين له، أن الأمر الذي تلقّاه، ليس هو أن يقرأ ما يسمع منه وحسب، وإنما ذلك هو بدء قراءة دائمة متصله بينهما، ثم هو بدء قراءة بين محمد وبين الناس جميعا.. إنه منذ اليوم، هو رسول اللّه إلى الناس جميعا، وأنه محمّل برسالة من عند اللّه يؤديها إليهم.. وأداء هذه الرسالة يقتضيه بأن يرفع هذا الغطاء عنه، وأن يستيقظ استيقاظا كاملا، وأن يصحو صحوة لا يخالطهافتور، حتى يستطيع أن يحمل هذه الرسالة الكبرى، ويواجه الناس بها: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}.
ولقد استيقظ المزمل ورفع الغطاء عنه، وقام الليل إلا قليلا، يرتل ما نزل عليه من آيات ربه، ويعيش معها بوجوده كله، حتى يتمثل هذه الآيات حرفا حرفا، وكلمة كلمة، وحتى يكون هو نفسه على مستوى هذه الآيات، كمالا، وروعة، وجلالا.. إنه الوعاء الحامل لآيات اللّه إلى الناس، وإن للوعاء وزنه، وقدره، وأثره، في المادة الحامل لها، وفيما يرى الناظرون إليها منه، وما يقع في نفوسهم منها.
وإذ قد استيقظ المزمل وأخذ أهبته المهمة الجديدة التي كلف بها، وتزود لها بالزاد الذي يعينه عليها، ولم يبق إلا أن يؤذن له ببدء المسيرة إلى حيث يلتقى بالناس، ويؤذّن فيهم برسالة اللّه المرسل بها إليهم- إذ يصل الأمر إلى هذا الحدّ، فها هو ذا رسول الوحى، يطرق الباب على النبي، ثم يدخل عليه، فيجده متدثرا في ثيابه، قائما في محراب ذكره للّه، وترتيله آيات اللّه، فيهتف به بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} إنها دعوة إلى قيام غير القيام الأول الذي دعى إليه في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} وإن المزمل غير المدثر.. فالمزمل نائم، متعب، مجهد.. والمدثر، متلفف في ثيابه، في حال قيام، أو قعود، وإن لم يكن مشمرا للعمل.. وأصل المدثر: المتدثر، فأدغمت التاء في الدال، وكذلك الأصل الاشتقاقى للمزمل.
وإن المدثر ليقوم الآن لينذر، ويبلغ رسالة ربه إلى الناس، وليخلع الأردية المتدثر بها، وليلبس ثوب العمل.
لقد بدأت إذا الرحلة الجديدة.. فليقم النبي، وليشدّ رحاله، واللّه سبحانه وتعالى معه، يعينه، ويثبت أقدامه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرحيم.

.تفسير الآيات (1- 7):

{يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)}.
التفسير:
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ...}.
هذه هي الوصايا التي يوصى بها ربّ السماء رسول اللّه، عند أول خطوة يخطوها برسالته إلى الناس.
إنه مدعوّ إلى أن يقوم بكل قواه، ليلقى الناس منذرا، غير ملتفت إلى عناد المعاندين، ولا متهيب كبر المتكبرين.. فاللّه- سبحانه- الذي يدعو الناس باسمه، هو أكبر من كل كبير.. فليذكر هذا دائما، فإنه إذا ذكر كبرياء اللّه، تضاءلت أمام عينيه كبرياء كل كبير.. وأن ينفض عن ثيابه غبار الدّعة والراحة، وأن يطهرها من غبار الزمن الذي عاشه بها قبل النبوة.. إنه منذ اليوم يلبس.
ثياب النبوة، إنها ثياب الجهاد، في سبيل اللّه، ولبوس الحرب والقتال لأعداء اللّه.. وإنّ من شأن المحارب إذا أخذ لبوس حربه أن ينظر فيه، وأن يصلح منه ما يحتاج إلى إصلاح، حتى يكون صالحا للعمل، دفاعا أو هجوما.. وهذا هو تطهير الثياب.
ومما ينبغى أن يأخذ به النبي نفسه في ثياب النبوة، أن يهجز الرجز، وهو كل ما يمسّ طهارة هذا الثوب، سواء أكان ذلك ناجما من الاحتكاك بالحياة، والمجادلة مع المشركين، أو كان ذلك مما يعرض النفس من ضجر، وقلق ومعاناة، من تلقاء هذا العبء لذى تنوء بحمله الجبال.. وهذا هو هجر الرجز والفاءات في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} يرى كثير من النجاة وتابعهم في هذا كثير من المفسرين، أن هذه الفاءات زائدة.
ونحن على رأينا من أنه ليس هناك حرف زائد في كتاب اللّه الكريم، وأن كل حرف أو كلمة، لها دلالتها التي لا يتم المعنى المراد في القرآن إلا بها.
وهذه الفاءات، هي من نوع الفاء في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} فالفاء في قوله تعالى: {فَأَنْذِرْ} واقعة في جواب الأمر.
وكذلك الفاءات في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} هي واقعة في جواب أمر مقدر، معطوف على قوله تعالى في أول السورة: {قم}.
وعلى هذا يكون المعنى في ابتدائه على هذا الوجه:
يا أيها المدثر قم فأنذر الناس، وقم فكبر ربك، وقم فطهر ثيابك، وقم فاهجر الرجز.
ثم للاهتمام بالمفعول به، وقصر مر فعل الفاعل عليه، قدم هذا المفعول على الفعل، في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} وحذف فعل الأمر {قم} المكرر في الآيات الثلاث، اكتفاء بتقديره وراء حرف العطف الواو الذي يأخذ نصيبه معنى لا لفظا من الفعل {قم} في قوله تعالى: {قم فأنذر}.
وفى الحق أن هذا التخريج النحوي لا ينبغى أن ندخل به على آيات اللّه، فذلك مما لا يتفق ومقام الإعجاز القرآنى، الذي يزرى بقدره، أن يوزن بميزان الكلام البشرى، الذي يخضع الضرورات، ويقبل الخطأ والانحراف.. تماما كما يزرى بقدر الذهب أن يوزن بميزان الحصى، إن كان الحصى ميزان.
وحسبنا في هذا المقام أن نقف بين يدى مثل هذه الآيات- التي يجد فيها النحاة مجالا القول- فنضرب صفحا عن النحو ومقولاته، ونفتح قلوبنا، وعقولنا إلى هذا النور الذي يتدفق من آيات اللّه وكلماته، فيكشف لنا معالم الطريق إلى مواقع الهدى، والخير والفلاح.
ونمود إلى موقفنا بين يدى آيات اللّه فنقول:
كذلك ينبغى أن يعلم النبي من أول الأمر، أنه رحمة مهداة من عند اللّه إلى عباد اللّه، كضوء الشمس، ونور القمر، وماء السحب.. وإنه مما يكدر هذه النعمة، أن يرى الناس منه استعلاء، أو تطاولا بتلك المنن التي سيقت إليهم على يده.. فإن النفوس تكره ممن يحسن إليها أن يمنّ عليها بإحسانه، ويذكّرها به، وكأنه يريد لذلك ثمنا، أىّ ثمن، من ولاء وخضوع، أو من جاه وسلطان {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} والأولى من هذا، أن يبذل المحسن إحسانه، من غير التفات إلى مواقعه ممن أحسن إليهم بالنسبة إليه، وما أحدثه ذلك في نفوسهم من تصافر أمامه، أو تسبيح بحمده والثناء عليه.
والإحسان من النبي- كما قلنا- هو إحسان منظور إليه على أنه من اللّه مباشرة إلى الناس، وأن النبيّ هو حامل هذا الفضل، وموصّل هذا الإحسان إليهم.
وبهذه النظرة إلى رسالة النبي، من جهته هو، ومن جهة المرسل إليهم، تقوم الرسالة على ميزان صحيح، مستقيم.
فالرسول يرى في ضوء هذه النظرة، أن حسابه في هذه الرسالة مع ربه، وأن جزاءه عليها، هو من اللّه سبحانه وتعالى.. وهذا يجعل من شأنه ألا ينظر إلى الناس نظرة المحسن المتفضل.
والمرسل إليهم يرون أن الذي يدعوهم إليه، هو ربهم، وليس بشرا مثلهم، وأنهم إذ يستجيبون المرسول، فإنما يستجيبون للّه.. وهذا من شأنه أن يخفف كثيرا من مشاعر الغيرة والحسد عندهم، ويذهب بكثير من دوافع الحميّة والأنفة والاستعلاء التي تملأ صدورهم، والتي كثيرا ما تقوم حجازا بين الناس والناس، في تبادل المنافع، وتقبل النصح والإرشاد.
وفى قوله تعالى: {تستكثر} حال من فاعل {وَلا تَمْنُنْ} أي لا تمنن مستكثرا من المنّ.. وهذا يعنى أن بعض المنّ مسموح به في هذا المقام، على أن يكون ذلك من أجل خدمة الدعوة ولحسابها، كأن يقول النبي لقومه:
{لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} [23: الشورى] {ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [86: ص] ونحو هذا مما علمه اللّه سبحانه وتعالى النبي أن يقوله المشركين في موقف الاحتجاج عليهم، ودفع التهم التي يتهمونه بها.. فهذا وإن كان فيه شيء من المنّ، إلا أن له ما يبرره من تصحيح أخطاء، وتلبيسات، وقعت في نفوس المشركين، من مقام الرسول فيهم هذا المقام، وأنه في نظرهم إنما يبغى من وراء هذا شيئا ما، وإلا فماذا يحمله على ركوب هذا المركب الصعب إليهم؟
ثم يكون ختام ما يوصى به النبي في هذا المقام أن يتجمل بالصبر، وأن يوطن نفسه على احتمال الضر والأذى، فإن طريقه إلى قومه ملئ بألوان من المساءات والسفاهات التي يرصدونها له.
ولمن هذا الصبر على المكاره؟ إنه للّه، وفى سبيل اللّه.. {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} هذا، ويلاحظ أن الإنذار في قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ} قد جاء مطلقا من قيد الزمان، والمكان، والإنسان.. فحيث كان النبي في أي مكان وأي زمان، فهو قائم بالإنذار، وحيث التقى بإنسان من أية أمة، وأي قبيل كان مطلوبا منه أن ينذره.. إنه رحمة عامة، تملأ الزمان والمكان، وتستوعب الناس جميعا في كل زمان، وكل مكان.

.تفسير الآيات (8- 30):

{فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (27) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (30)}.
التفسير:
قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} الفاء في قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} هي فاء الفصيح، ويراد بما بعدها الإفصاح عما تضمنه الكلام قبلها، من إشارات وتلميحات.
وهنا نجد أن قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} نجد في هذه الآيات دعوة آمرة من اللّه سبحانه وتعالى إلى النبيّ بأن يقوم في الناس منذرا، ولم تبين له الآيات ما ينذر به، فجاء قوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.
جاء مفصحا عما ينذر به، وهو يوم القيامة، وما يلقى أهل الضلال فيه من شدائد وأهوال.
وقد يسأل سائل:
أبهذا النذير يبدأ الرسول رسالته، ولا يبدؤها بالدعوة إلى الإيمان باللّه، الذي هو رأس الأمر كله، ومقطع الفصل فيما بين المؤمن والكافر؟
والجواب على هذا- واللّه أعلم- هو- كما قلنا في أكثر من موضع- أن الإيمان بالحياة الآخرة، وبالحساب والجزاء، هو مضلّة الكافرين جميعا، إذ يبدو لهم أن بعث الموتى من قبورهم بعد أن يصبحوا رفاتا وترابا- أمر لا يمكن أن يقع، ولا تستطيع عقولهم تصوّره، وأن كثيرا من مشركى العرب كانوا يؤمنون باللّه إيمانا مشوبا بالضلال، وباتخاذ معبودات يعبدونها من دون اللّه تقربا إليه بعبادتها، وأنهم كانوا- مع هذا- مستعدّين أن يقبلوا الإيمان باللّه، وعبادته وحده، ولم يكونوا مستعدين أبدا، أن يقبلوا هذا الإيمان، وفى مقرّراته البعث والحساب والجزاء.
ولهذا نجد أكثر مواقف القرآن الكريم مع المشركين، هو في الرّد على مقولاتهم في البعث، وفى إنكارهم له، واستبعادهم لوقوعه.. فما أكثر ما ذكر القرآن الكريم من مقولاتهم في هذه القضية، وما أكثر ما عرض عليهم من الأدلة والحجج، التي تبطل معها مدّعياتهم، وتسقط بها حججهم.
أما في مقام وحدانية اللّه، فلم يكن للمشركين موقف كهذا الموقف من قضية البعث، ولم يكن لهم جدل طويل يديرونه مع النبيّ، كما كان ذلك شأنهم في أمر البعث، وإن كلّ ما ذكره القرآن عنهم من حجة في أمر الوحدانية، لا يعدو أن يكون دفاعا عن وجود آلهتهم واعتبارها ممثلة للّه في الأرض.
كل إله منها يصلهم باللّه عن طريق خاص به.. ولم تتسع عقولهم القاصرة أن ترى اللّه غير مجسد في هذه الدّمى، وتلك النّصب. فكان مما ذكره القرآن عنهم قوله تعالى: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ} [5: ص] وقوله تعالى فيما يقولونه عن آلهتهم، وصلتها باللّه: {هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ} [18: يونس].. {ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى} [3: الزمر].
من أجل هذا بدأت رسالة النبيّ بالإنذار بهذا اليوم، يوم القيامة، وما فيه من عذاب أليم المشركين والكافرين، وأهل الضلال جميعا.
وهذا ما كان من الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- فإنه ما إن تلقّى هذا الأمر من ربّه، حتى دعا قومه إليه- كما تقول كتب السيرة الموثقة- وخطب فيهم قائلا: «يا معشر قريش: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدّفوننى؟» قالوا نعم: أنت عندنا غير متّهم، وما جرّبنا عليك كذبا قط قال: «فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد» فقال أبو لهب لعنه اللّه: تبّا لك سائر اليوم.. ألهذا دعوتنا؟ فنزلت سورة اللهب.
فهذا أول ما أنذر به النبي قومه.. وهو يوم القيامة.
وقوله تعالى: {فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} أي نفخ في الصور، وسمى الصور ناقورا، لأنه ينقر فيه حتى يحدث صوتا.. فهو اسم آلة، مثل ساطور، وقادوم.
وقوله تعالى: {فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} هو جواب {فإذا}، أي فإذا نفخ في الصور، فعندئذ يطلع هذا اليوم العسير على الكافرين.
وقوله تعالى: {عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.
هو توكيد لقوله تعالى: {فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} وهذا ما يشير إليه قوله تعالى في آية أخرى: {يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} [8: القمر] قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ}.
هذا عرض لصورة من صور المنذرين الذين أنذرهم الرسول فسخروا منه ووقفوا جبهة متحدية له آخذة الطريق عليه إلى الناس وإلى تبليغهم رسالة ربه.
ويقال إن الموجّه إليه هذا التهديد، هو الوليد بن المغيرة.. وبهذا القول- إن صحّ- يكون الوليد هو الصورة التي يرى فيها كلّ مشرك معاند، ذاته ويشهد المصير الذي هو صائر إليه.
وقوله تعالى: {ذرنى} هو تهديد بالنكال والبلاء وباتجاه عذاب اللّه كله إلى هذا الإنسان الشقي الموجه إليه هذا الإنذار.. وقد أشرنا إلى معنى هذا عند تفسير قوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا}.
في سورة المزمل (11) وقوله تعالى: {وحيدا} هو حال من فاعل: {خلقت} وهو اللّه سبحانه وتعالى، أو هو حال من المفعول المحذوف وتقديره الهاء المحذوفة في {خلقت} ويجوز أن يكون حال من المفعول به في {ذرنى} أي ذرنى وحيدا مع من خلقته.
وقوله تعالى: {وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً} أي مالا كثيرا، متصلا، لا ينقطع.
وقوله تعالى: {وَبَنِينَ شُهُوداً} أي وجعلت له بنين حاضرين بين يديه، أي لم يموتوا، كما يموت كثير من البنين، بعد أن يوهبوا لآبائهم.
فهذا المال الذي أعطيته إياه، لا يزال بين يديه ممدودا متصلا، وهؤلاء الأبناء الذين بين يديه، حاضرون شهود لم يغيبوا عنه.. وفى هذا تهديد له بذهاب هذا المال، وفقد هؤلاء الأبناء، كما ذهبت أموال كثيرين، ومات أبناء كثيرين.
وقوله تعالى: {وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً} أي هيأت له حياة رخيّة، بالمال، والبنين، الذين هما زينة الحياة الدنيا.
وقوله تعالى: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ} ثم إن هذا الضال العنيد، على طمع أن أزيده مالا وبنين، وذلك بما زين له ضلاله بأنه إنما أوتى ما أوتى لفضيلة اختصّ بها، ولصفات استأثر بها دون الناس، وأنّ ما بين يديه قليل إلى ما يمنّى به نفسه الملوءة غرورا.
وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً} هو رد على أمنيات هذا الضال، وتوقعاته بأن يزداد مالا وبنين.. وكلا.. بل إن ما معه سيأخذ منذ اليوم في النقصان، حالا بعد حال، حتى يموت، ونفسه تتقطع حسرة على ما ذهب من ماله وولده.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} أي سآخذه بالرهق والشدة حالا بعد حال، مصعّدا به من شدة إلى أشد منها.
وهكذا حتى يذهب كل ماله، وجميع بنيه، وهو يرى ذلك فيتقطع قلبه حسرة وكمدا.
قوله تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}.
فى هذه الآيات صورة معجزة من صور البيان القرآنى، الذي تعجز أدق ألوان البيان مجتمعة أن تتعلق بأذياله.
فبالكلمة، شعرا ونثرا، وبالصورة المتحركة والساكنة، والناطقة والصامتة، وبالموسيقى، ألحانا مفردة ومجتمعة.. وبكل ما عرفت الإنسانية من ألوان الإبانة والتعبير- لا يمكن أن تجيء- ولو من بعيد- بمثل هذه الصورة القرآنية التي صوّر بها هذا الإنسان الشقىّ العنيد، ظاهرا وباطنا، فلم تدع الصورة خلجة من خلجات ضميره، أو مسربا من مسارب تفكيره، أو همسة من همسات خاطره، إلا ألقت بها على قسمات وجهه، ونظرات عينيه، وحركات شفتيه، فكانت شخوصا ماثلة للعيان.
وانظر كيف كانت مسيرة هذا الضال العنيد، مع آيات اللّه، التي تليت عليه من رسول اللّه.. فلقد روى أن الوليد بن المغيرة- وكان ذا مكانة بارزة في قريش، وأشدهم عداوة لرسول اللّه، وكان موسم الحج قد حضر- دعا سادة القوم إليه، فقال لهم: يا معشر قريش، إنه حضر هذا الموسم، وإن وفود العرب ستفد عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا (يعنى رسول اللّه) فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيه، فيكذّب بعضكم بعضا.. قالوا فأنت يا أبا عبد شمس، فقل، وأقم لنا رأيا نقول به، قال: بل أنتم، فقولوا أسمع!
قالوا: نقول: كاهن!! قال: لا، واللّه ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما هو- أي النبي- بزمزمة الكاهن ولا سجعه.
قالوا: فنقول مجنون؟ قال: ما هو بمجنون.. لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته!! قالوا.. فنقول شاعر! قال: ما هو بشاعر.. لقد عرفنا الشعر كله، رجزه، وقريضه، ومقبوضه، ومبسوطه، فما هو بالشعر.. قالوا فنقول: ساحر!! قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو- أي النبي- بنفثه، ولا عقده! قالوا: فما تقول يا أبا عبد شمس؟، قال: واللّه إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق وإن أعلاه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا، إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا: إنه ساحر. جاء بقول هو سحر، يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه.. فتفرقوا عنه بذلك الرأى، وجعلوا يلقون أهل الموسم على كل طريق، ويقولون لهم: احذروا ساحرنا! وبروى عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة هذا، جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، يدعوه إلى أن يرجع عن دعوته، وألا يشيع الفرقة والخلاف بين أهله وعشيرته، فتلا عليه النبي آيات من آيات اللّه، فرقّ لها قلب الوليد، وخرج من بين يدى النبي، وكأنه يحدث نفسه بأمر غير الذي جاء به. فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: يا عمّ. إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا! قال: لما ذا؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله (أي لتنال مما عنده من طعام أو نحوه) فقال: لقد علمت قريش أنى من أكثرها مالا! قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له، كاره لما يقول! فقال: وما ذا أقول؟ فواللّه ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّى... واللّه ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، وإن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته!! قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه.. قال: فدعنى حتى أفكّر فيه، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر!! أي يأثره، ويقتفى فيه أثر غيره، فنزل قوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً...} الآيات وننظر في سيرة هذا الضالّ العنيد مع آيات اللّه التي تلاها عليه رسول اللّه، وكيف كان يلقاها بتلك المشاعر المتضاربة المضطربة، التي تتأرجح به بين التصديق والتكذيب، والإيمان والكفر.. ثم تغلب عليه شقوته آخر الأمر، فإذا هو على رأس المكذّبين الضالين.
{إِنَّهُ فَكَّرَ} فيما تلى عليه من آيات اللّه.. فقد كان من شأن هذه الآيات أن تهزّ الجماد، وتذيب الصخر!.
{وَقَدَّرَ} أي جعل يزن ويقدّر كلّ ما كان يطرقه من أفكار.
{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} دعاء عليه بالقتل، لهذا التقدير العجيب الذي قدّره.. إذ كيف يسوغ لمن فكر، أن يقيم ميزانا لأى كلام، مع كلمات اللّه؟.
{ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} توكيد الدعاء عليه بالقتل، وتوكيد للتعجب من توقفه بعد تفكيره، عن أن يقول قولة الحقّ في آيات اللّه.
{ثُمَّ نَظَرَ} أي نظر فيما اجتمع له، من آراء مختلفة في القرآن.
أهو شعر؟ لا ليس بشعر؟
أهو كهانة؟ لا ليس من الكهانة في شيء.
أهو قول مجنون؟ كلّا فما قائله بمجنون، ولا فيما يقوله إلّا أحكم المنطق وأصوب القول.
وهكذا، تدور الخواطر في نفسه، وتصطرع الآراء في عقله، وهو عاجز عن أن يخرج من هذه العاصفة المزمجرة التي احتوته.
{ثُمَّ عَبَسَ}.
هذه انطباعة من أثر هذا الصراع الدائر في كيانه.
لقد طرقه خاطر مخيف فردّه بهذا العبوس، والتجهم.. ولعل هذا الخاطر كان يدعوه إلى أن يستسلم للحق، ويخرج على قريش معلنا إيمانه بآيات اللّه، وتصديقه برسول اللّه!! ولكن هذا العبوس قد ردّ هذا الخاطر، وألقى به في عباب الخواطر التي تموج في صدره.
{وَبَسَرَ} أي زاد على العبوس تقطيبا، وزمّا لفمه، وتكشيرا عن أنيابه.
وهذه كلها تكشف عن حركات نفسية، تغدو وتروح، وتقبل وتدبر، في صدر هذا الشقي العنيد، الذي يموج بهذه المشاعر المتضاربة.
{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} هذه هي الجولة الأخيرة في هذا الصراع الذي كان محتدما في نفسه.. لقد انهزم العقل، وانتصر الهوى، وغابت الحكمة، وحضر الطيش والنزق.. وانتهى الأمر بأن أعطى هذا الشقي العنيد ظهره للحقّ، وأخذته العزّة بالإثم، فأبى أن يتبع سبيل المؤمنين.
{فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}!! وبدلا من أن يقول: لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه قال {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} أي ما هذا الذي يتلوه محمد علينا- ما هو إلا سحر، عجيب، لابد أن يكون قد تلقاه عن خبير بالسحر وفنونه، واقتفى أثره فيه.
{إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}.
ثم لقد ازداد الشقىّ العنيد جرأة على الحقّ، فبعد أن كان يلقاه خائفا لا يكاد يواجهه، فيقول عن القرآن: {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} رافعا قدره عن أن يكون من كلام البشر- إذا هو بعد هذه القولة الآثمة، يخطو خطوة أخرى نحو الضلال، فيقول: {إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}.
إنه مجرد كلام، لا يصل إلى أن يكون سحرا! وهكذا الحق بسطوته وقوته، يكشف عن جبن أعدائه، حتى وهم- في ظاهر الأمر- غالبون منتصرون.
هذا، ومن الملاحظ أن العطف بين أحوال هذا الشقي الأثيم، قد جاء بالحرف {ثمّ} الذي يفيد التراخي.
{ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ}.
ففى كل حال من تلك الأحوال، عاش هذا الشقي زمنا، مقدّرا، ومفكرا، ثم إنه ما إن انتهى من هذا الصراع الذي يدور في كيانه، وما إن أمسك بالكلمة التي يطلع بها على القوم، حتى بادر بإلقائها إليهم قبل أن تفلت منه، ويغلبه عليها ما يدور في خاطره من كلام لا يقبلونه منه.. ولهذا جاء العطف بالفاء التي تفيد التعقيب دون تراخ، أو إمهال.. {فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} وكما أسرع الشقىّ بكلمة الكفر يجهر بها، قبل أن تفلت منه- كذلك أسرع إليه العقاب الذي يستحقه بسبب هذه القولة الفاجرة التي صدرت عنه.. فيجيء في أعقابها قوله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}.
يجيء هذا الوعيد، الذي يحمل {سقر} إلى هذا الشقىّ، أو يحمله هو إليها، من غير حرف عطف أصلا، يفصل بينه وبين قوله الآثم، وكأنّ هذه النار التي سيصلاها، هي بعض هذا القول الخارج من فمه.. وإذا هذه النار مشتملة عليه.. تأكله، كما تأكل الحطب! و{سقر} هي جهنم، وقيل اسم من أسمائها، أو درك من دركاتها.
إنه لم يكن بين قول هذا الشقىّ، وبين الآية التي حملت إليه هذا الوعيد- لم يكن ثمة فاصل، لفظى أو تقديرىّ.. وهذا يعنى أن هذه الجريمة تحمل معها عقابها دائما، فلا ينفصل عنها بحال أبدا.
{وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ}.
استفهام يراد به الإشارة إلى أن المستفهم عنه شيء مهول، لا يمكن وصفه.. لأنه مما لم يقع في حياة الناس أبدا.
{لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ}.
إنه وصف لسقر، بأفعالها، وما تترك من آثار.. أما ذاتها فلا يمكن تصورها.
ومن صفاتها، أنها لا تبقى شيئا إلا التهمته، وجعلته وقودا لها، كما لا تذر أحدا من أهل الضلال إلا ضمته إليها، وأذاقته بأسها، لا تدع منه ظاهرا أو باطنا إلا ذاق عذابها.
{لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ}.
أي أنها مغيّرة لألوان البشر، إلى لون الفحم، بما تلفح به وجوههم من لهيبها.
{عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ}.
أي على هذه النار، التي هي سقر، تسعة عشر من الزبانية، يقومون على حراستها، وتقليب الحطب المقدّم إليها من المكذبين والضالين، الذين يلقى بهم فيها، ليكونوا وقودا لها.